حقيقة ابن ملجم
سير أعلام النبلاء الذهبي - شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي صفحة 287 جزء 28
[ ص: 287 ] عبد الرحمن بن ملجم المرادي قاتل علي رضي الله عنه .
خارجي مفتر ، ذكره ابن يونس في تاريخ مصر ، فقال : شهد فتح مصر ، واختط بها مع الأشراف ، وكان ممن قرأ القرآن والفقه ، وهو أحد بني تدول ، وكان فارسهم بمصر ، قرأ القرآن على معاذ بن جبل ، وكان من العباد ،
ويقال : هو الذي أرسل صبيغا التميمي إلى عمر ، فسأله عما سأله من مستعجم القرآن .
وقيل : إن عمر كتب إلى عمرو بن العاص : أن قرب دار عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ؛ ليعلم الناس القرآن والفقه ، فوسع له مكان داره ، وكانت إلى جانب دار عبد الرحمن بن عديس البلوي يعني أحد من أعان على قتل عثمان ، ثم كان ابن ملجم من شيعة علي بالكوفة سار إليه إلى الكوفة ، وشهد معه صفين .
قلت : ثم أدركه الكتاب ، وفعل ما فعل ، وهو عند الخوارج من أفضل الأمة ، وكذلك تعظمه النصيرية .
قال الفقيه أبو محمد بن حزم : يقولون إن ابن ملجم أفضل أهل الأرض ، خلص روح اللاهوت من ظلمة الجسد وكدره .
فاعجبوا يا مسلمين لهذا الجنون .
وفي ابن ملجم يقول عمران بن حطان الخارجي :
يا ضربة من تقي ما أراد بها
إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حينا فأحسبه
أوفى البرية عند الله ميزانا

وابن ملجم عند الروافض أشقى الخلق في الآخرة ، وهو عندنا أهل السنة ممن نرجو له النار ، ونجوز أن الله يتجاوز عنه ، لا كما يقول [ ص: 288 ] الخوارج والروافض فيه ، وحكمه حكم قاتل عثمان ، وقاتل الزبير ، وقاتل طلحة ، وقاتل سعيد بن جبير ، وقاتل عمار ، وقاتل خارجة ، وقاتل الحسين ، فكل هؤلاء نبرأ منهم ونبغضهم في الله ، ونكل أمورهم إلى الله عز وجل .




الأمويّون واغتيال الإمام
ذكر المؤرّخون أنّ اغتيال الإمام عليه السلام يعزى إلى الخوارج ، وليس لغيرهم أيّ ضلع فيه ، والذي نراه بكثير من التأمّل والترجيح أنّ للأمويّين صلة فيه ، ويدعم ذلك ما يلي :
١ ـ إنّ أبا الأسود الدؤلي من خواص الإمام عليه السلام ومن تلاميذه ، وكان من المتحرّجين في دينه قد ألقى تبعة قتل الإمام على بني اميّة وذلك في مقطوعته التي رثا بها الإمام ، فقد جاء فيها :
ألا أبلغ معاوية بن حرب
فلا قرّت عيون الشامتينا
أفي شهر الصّيام فجعتمونا
بخير الناس طرّا أجمعينا ؟
قتلتم خير من ركب المطايا
ورحّلها ومن ركب السّفينا (۱)
ومعنى هذه الأبيات أنّ معاوية هو الذي فجع المسلمين بقتل الإمام الذي هو خير الناس بعد أخيه وابن عمّه الرسول صلّى الله عليه وآله. ومن المؤكّد أنّ أبا الأسود لم ينسب جريمة اغتيال الإمام إلى معاوية إلّا بعد وثوقه بذلك ، ومن المحتمل أنّ أبا الأسود إنّما ألقى المسئوليّة على معاوية في إغتيال الإمام لأنّه هو السبب في نشأة الخوارج وتمرّدهم على حكم الإمام ، وجميع ما صدر منهم من جرائم وآثام تستند إلى معاوية.
٢ ـ أنّ القاضي نعمان المصري ، وهو من المؤرّخين القدامى ذكر قولاً هو أنّ معاوية دسّ ابن ملجم لإغتيال الإمام ، وهذا نصّ كلامه : « وقيل إنّ معاوية عامله ـ أيّ عامل ابن ملجم ـ على ذلك ـ أيّ على إغتيال الإمام ـ ، ودسّ إليه فيه ، وجعل له مالا عليه » (۲).
وهذا القول يؤكّد ما جاء في شعر أبي الأسود الدؤلي من اسناد قتل الإمام إلى معاوية.
٣ ـ وممّا يدلّل على أنّ للحزب الأموي ضلعاً في إغتيال الإمام أنّ الأشعث بن قيس (۳) ، كان عيناً لبني اميّة وعميلاً لهم في العراق ، وقد ساهم مساهمة إيجابيّة في إغتيال الإمام ، فقد رافق ابن ملجم في أثناء قتله للإمام ، وقد شجّعه على ذلك ، وهو القائل له : النجا فقد فضحك الصبح ، ولمّا سمعه حجر بن عديّ صاح به ، وقال له :
قتلته يا أعور ؟ وصلة الأشعث ببني اُميّة معروفة ، وعداؤه للإمام مشهور ، وقد هدّد الإمام قبل قتله بقليل.
إنّ المؤامرة بإغتيال الإمام قد احيطت بكثير من السرّ والكتمان ، فما الذي أوجب اطّلاع الأشعث عليها ودعمه لها ، لو لا الايعاز إليه من الأمويّين ؟
٤ ـ أنّ مؤتمر الخوارج قد انعقد في مكّة أيّام موسم الحجّ ، وهي حافلة ـ من دون شكّ ـ بالأمويّين لأنّها الوطن المهم لهم ، وكانوا يبثّون الدعايات المضلّلة ضدّ الإمام ، ويشيعون في أوساط الحجّاج الأكاذيب ضدّه ، وأغلب الظنّ أنّهم تعرّفوا على الخوارج الذين هم من أعدى الناس للإمام.
وممّا يساعد على تعرّف الأمويّين لابن ملجم أنّه أقام مع بقيّة الخوارج في مكّة بعد انقضاء موسم الحجّ إلى شهر رجب ، واعتمروا بالبيت الحرام عمرة مفردة ، ثمّ نزحوا بعد ذلك إلى تنفيذ مخطّطاتهم ، فمن المحتمل أنّ الخوارج اتّصلوا بالأمويّين ، ودفعوهم إلى اغتيال الإمام.
٥ ـ أنّ ابن ملجم كان معلّماً للقرآن (٤) وكان يأخذ رزقه من بيت المال ، ولم تكن عنده سعة مالية ، فمن أين له الأموال التي اشترى بها سيفه بألف درهم ؟
وسمّه بألف درهم ؟ ومن أين له الأموال البالغة ثلاثة آلاف درهم ؟ وعبد وقينة ؟ وقد أعطاها مهراً للبغية قطام ؟
كلّ ذلك ممّا يدعو إلى الظنّ أنّه تلقّى دعماً ماليّاً من الأمويّين ليقوم بإغتيال الإمام.
٦ ـ أنّ ابن ملجم كان على اتّصال وثيق بابن العاص ، وكان معه حينما فتح مصر وأمره بالنزول بالقرب منه (٥) ويروي الصفدي أنّ عمر بن الخطّاب أوصى ابن العاص برعاية ابن ملجم ، وأكبر الظنّ أنّه أحاط ابن العاص علماً بما اتّفق عليه مع زميليه من القيام بإغتياله وإغتيال الإمام ومعاوية ، ولذا لم يخرج ابن العاص للصلاة في تلك الليلة واستناب خارجة ، فقام التميمي بإغتياله ظانّاً أنّه ابن العاص فلذا لم تكن نجاته وليدة مصادفة ، وإنّما كانت عن علم بذلك.
هذه بعض الملاحظات التي توجب الظنّ في اشتراك الحزب الأموي في اغتيال الإمام (٦).
------------------الهوامش------------------
۱. تاريخ ابن الأثير ٣ : ١٩٨.
۲. المناقب والمثالب ـ القاضي نعمان المصري : ٩٨.
۳. الأشعث بن قيس اسمه معدي كرب لقّب بالأشعث لأنّه كان أشعث الرأس ـ خزانة الأدب ٥ : ٤٢٤.
٤. لسان الميزان ٣ : ٤٤٠.
٥. لسان الميزان ٣ : ٤٤٠.
٦. حياة الإمام الحسين ٢ : ١٠٤ ـ ١٠٦.
مقتبس من كتاب : [ موسوعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ] / الصفحة : ۲۳٦ ـ ۲۳۹


ترجمة شبيب
الكامل لابن الأثير: حوادث سنة 40 وأعيان الشيعة 3: 568 والمشرع الروي 1: 79 والتاج 3: 26 وتاريخ الإسلام للذهبي 2: 206.
شبيب بن بجرة الأشجعي: خارجيّ من أهل الكوفة. اشترك مع عبد الرحمن ابن ملجم في مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سنة 40 هـ في الكوفة. ضربه بالسيف أولا، وتلاه ابن ملجم، فكانت ضربة هذا في وسط رأسه. وأكثر المؤرخين على أن شبيبا هرب في غمار الناس بعد جرحه أمير المؤمنين، واختفى أثره .













الوثائق